تؤكد الوقائع التاريخية أن الإتفاقات الأمنية والعسكرية كانت ثمرة مفاوضات سياسية لا بل أن العمل العسكري كان الخطوة الأولى لقيام المفاوضات والوصول إلى الحل بمعنى أن الحروب كان هدفها الوصول للح كما يريد الطرف المبادر للحرب أو في حال عدم إنتصاره الوصول إلى حل يرضي الطرفين بحيث أن العمل العسكري أو الأمني ليس هدفا بحد ذاته بل وسيلة للوصول إلى أهدافا أخرى.وأثبتت الأحداث التاريخية أن أي نزاع لا بد أن يستنزف القوى البشرية والمادية طالما لم يكبح جماحه العمل السياسي وأن العمل الوقائي يخفف ولا يلغي وقوع الأحداث. ولا بد من معالجة الأسباب قبل معالجة النتائج وهنا يروي أحد الأشخاص( تعلم قيادة السيارة وقيل له وجوب ضغط الفرامل لإيقاف السيارة على أساس أن يرفع قدمه عن دواسة البنزين لكن لعدم قدرته على الإمساك بالمقود فكان يضغط الفرامل ودواسة البنزين مع بعضهما البعض فتجنح السيارة وتنحرف ويبدأ بالإصطدام بالسيارات والماره والأرصفة هذا في المدن أما في الطرقات الجبلية يمكن أن يستقر في قعر وادي سحيق لا ينجو منه أبدا.
سلاح المقاومة تستصدر القرارات الدولية الواحد تلو الآخر1559-1680...1701وما سيأتي بعد لمعالجة نزع سلاح المقاومة مع أن الحل بسيط إنسحاب الإحتلال الإسرائيلي من لبنان ومنع العدوان المتكرر على السيادة.
هذا على الصعيد الخارجي أما على الصعيد الداخلي فهناك قضيتين:قضية سياسية وقضية إقتصادي–إجتماعية(الدين العام)وفي كلا الحالتين تقوم الحكومة ومنظومة القوى السياسية بمعالجة النتائج دون معالجة الأسباب.
الديــن العــام:تقوم الحكومة بمعالجة نتائج الدين من خلال الإستدانة الخارجية والداخلية وفرض الضرائب المتعددة بحيث أن الحكومات أصيبت بالإدمان على الإستدانه والضرائب مع أن ذلك يزيد من تفاقم المشكلة وأثبتت الوقائع ذلك مع أن الحل يكمن في وقف الهدر ومعالجة الفساد ونعود إلى مثال قيادة السيارة هدر وفساد وضرائب وإستدانة والنتيجة الإقتصاد يتدهور.
قضيــة ســلاح المقاومــة:إن القرارات الدولية وقرارات وفعاليات بعض القوى السياسية تركز على نزع السلاح بدل معالجة أسباب وجوده وظهوره(الإحتلال الإسرائيلي) خاصة أن هذا السلاح قد ولد لبنانيا بشكل مؤثر بعد إجتياح عام1978أي بعد ثلاثين عاما من الإعتداءات الإسرائيلية بعد إحتلال فلسطين وكان فعالا وصاحب وجود(بعد إجتياح عام 1982 )والمفارقة الأخيرة هي علاج الأمن عبر منهجية تستند على ثلاثة أسس حتى لو كانت غير معلنة أو في أحسن الحالات ليست مخططة لكنها تؤدي إلى الوقائع التالية:
إستحداث أجهزة أمنية للطوائف تبدأ أن تعطى الطوائف حق المشاركة في القرار الأمني من خلال تولي رئاسة أحد الأجهزة ومن ثم يصبح الجهاز لطائفة معينة داخل الدولة لأن مصاريفه سرية وعملاؤه سريون وتطويع عناصره فكان جهاز المخابرات للموارنة مع الأمن العام وجهاز أمن الدولة للشيعة وجهاز(شعبة المعلومات للسنة)وتم إعادة التوزيع بحيث تنازل الشيعة عن أمن الدولة للكاثوليك وأخذوا الأمن العام مقابل وزارة الداخلية للأرثوذكس والشرطة القضائية للدروز فصار لكل طائفة جهازها الأمني بغطاء الدولة وبقيت الدولة دون جهاز أمني ينفذ سياستها بحفظ الأمن القومي وأمن المواطن.
ربط الأمن اللبناني بالأمن الدولي في المعابر والمرافئ والمطار والسفارات وأخيرا القوات الدولية بحيث صار لبنان محكوم(بمجلس أمن دولي)فرع لبنان وبدل أن يحصن الأمن اللبناني إنكشف على طاولة دولية لن نكون بمستوى أجهزة مخابراتها وصراعاتها مع بعضها ولا نملك الوسائل والإمكانيات لفهمها ومجاراتها مما يجعلنا تابعين ومنفذين ولسنا شركاء.
معالجة نتائج الخلاف السياسي الداخلي في الموضوع الأمني في محاولة إحتواء نتائجه عبر زيادة عدد المتطوعين في القوى الأمنية وشراء السلاح والأجهزة وأخرها تغطية بيروت بالكاميرات وهنا ثغرتان:
الأولــى:هل أن الأمن اللبناني يقتصر على حفظ أمن العاصمة كما هي الحال في كابول-أفغانستان أو في بغداد-الطرق وكل المناطق اللبنانية ألا تهدد الأمن اللبناني؟.فلبنان بواقعه الطائفي والحدودي(سوريا-إسرائيل)وجغرافيته الصغيرة هو بؤرة أمنية متفجرة في أكثر من مكان على الحدود الجنوبية والشرقية وفي كل بقعة فيها مخيمات وكل منطقة أو شارع فيها تماس طائفي(الشياح-عين الرمانة) الشويفات – الضاحية(عين الحلوة-حي التعمير)فكيف يمكن حفظ الأمن في هذه المناطق مع صعوبة تركيب الكاميرات في لبنان(مع العلم أن لبنان تحت المراقبة بالأقمار الإصطناعية والطلعات الجوية).
الثانيــة:لو افترضنا أن الكاميرا صورت الفاعل قبيل تنفيذه الهجوم لكنه كان إنتحاريا فماذا تفعل الكاميرات والتحكمون بها هل يمنعون الإنفجار..؟وإذا تم تصوير الوجه آلا يعقل أن يكون الوجه والشعر مستعارا والسيارة مسروقة فماذا ينفع التصوير سوى زيادة تأثير الإنفجار نفسيا عبر الإعلام وحفظه في الأرشيف..؟
العلاج أيها السادة(أمن سياسي)أو(أمن توافقي )أو(أمن بالتراضي)سموه ما شئتم لكن لا أمن في لبنان أو في أي بلد في العالم يمكن أن يتحقق بالقمع والإكراه والدليل هل نملك إمكانيات أكثر من أميركا أو بريطانيا أو أسبانيا أو إسرائيل ومع ذلك وقعت أحداث 11أيلول في أميركا والأنفاق في بريطانيا والقطارات في أسبانيا والعمليات الإستشهادية في فلسطين والقتل في بغداد مع 160000جندي أميركي مع أسلحتهم المتنوعة والحديثة.
علاج الأمن في لبنان عير حل سياسي يرتكز على عدم قدرة أي فريق على إلغاء الآخر بل ليس من مصلحة أي فريق إلغاء الآخر لبنان عندما يخسر تنوعه الطائفي والسياسي لا يعود لبنان الذي يتقاتل عليه الجميع بل يصبح(الصومال)أو جزر القمر أو موريتانيا بالمعطى السياسي والإقتصادي وليس على المستوى الإنساني فكلنا عيال الله.
وبداية الحل مؤسسات دستورية تقوم على الديمقراطية التوافقية تحت سقف الوحده الوطنيه والعيش المشترك وليس التعايش وإصلاح إقتصادي يمنع الهدر والفساد وإجماع لبناني أن حماية لبنان تبدأ من عمل مواطنيه وقواه السياسية وطوائفه وليس من الخارج ليفرض لبنان ما يريد أو على الأقل يرفض ما لا يتماشى مع مصلحته.
السير المعاكس نتيجته مسير نحو الهاوية وتقسيم التوطين وبيع المزاد العلني سياسيا بعد الهجرة الطوعية بدل التهجير القسري.