لقد شكلت أحداث7أيار الكلمة الفصل لإنطلاق قطار الحل في لبنان بعد ثلاث سنوات من الصراع السياسي داخليا، والعسكري وألقانوني خارجيا ،رسمت مشهدا سياسيا جديدا في لبنان ، في ظل دخان أمني متنقل على الساحة اللبنانية،وفرضت معادلات سياسية وأمنية جديدة،شرعت الأبواب أمام الوساطة القطرية التي انطلقت بضوء أخضر أقليمي ودولي غير معلن على الأقل أميركيا،وحقق اتفاق الدوحة الذي كرس،نهج الحوار السياسي والإبتعاد عن العنف المسلح في لبنان،وأطلق عملية إعادة إحياء السلطة في لبنان والمؤسسات الدستورية من رئاسة الجمهورية وحكومة الوحدة الوطنية، والمصالحات ،وصولا إلى إجراء الإنتخابات النيابية المقبلة لإعادة تكوين السلطة في لبنان وتم رسم المشهد السياسي في لبنان وفق معادلات جديدة كان أبرزها:
• إعتراف الرعاة الإقليميين والدوليين لقوى14أذار بفشل المشروع ألأميركي للسيطرة السياسية والأمنية على لبنان، وعدم قدرة هذه القوى بحسم الصراع الداخلي لصالحها مع كل الدعم المتعدد الإمكانيات.
• تراجع الدور السعودي-المصري وقوى الإعتدال العربي من التأثير الإيجابي، والإنكفاء السياسي،نتيجة التخلي الأميركي عن تحالفاته،وبناء تحالفات ووساطات جديدة تحفظ مصالحه، دون النظر إلى مصالح حلفائه العرب أو حتى إعطائهم الفرصة لإعادة تصويب الأمور بما يحفظ دورهم التاريخي في لبنان، والذي كان يحظى بإ جماع سياسي لدوره في اتفاق الطائف وما بعده.
• إلغاء آحادية المرجعية السياسية في الطائفة السنية المتمثلة بتيار المستقبل وآل الحريري،وكذلك إنكفاء دور المرجعية الدينية المتمثلة بدار الفتوى،وذلك لصالح إعادة إحياء المرجعيات السياسية التقليدية كآل كرامي في طرابلس ،والرئيس الحص وغيرهم،وبروز بعض التيارات السلفية كمرجعية دينية منافسة لدار الفتوى.
• إعتراف المستقبل بالرأي الآخر داخل الطائفة السنية وإن بشكل خجول،حيث اضطر النائب سعد الحريري لإجراء المصالحات مع الرؤوساء كرامي والحص وإعادة التواصل معهم بعد انقطاع استمر أكثر من ثلاث سنوات.
وبالتالي فإن المعارضة السنية استطاعت أن تحقق ربحا جديدا يضاف إلى رصيدها السياسي داخل النظام الطائفي في لبنان، الذي يحكم الحياة السياسية من انتخابات أو حوار وغيره، بعدما سجلت شخصيات وقوى المعارضة السنية ربحا على الصعيد الوطني، بوجودها ضمن تركيبة قوى المعارضة المتمثلة بقوى8أذار، حيث أن وجودها قد أضعف مقولة الصراع السني-الشيعي، لصالح الصراع السياسي،وحافظت على تاريخ وتراث هذه الطائفة والتصاقها بالعروبة والإسلام بعيدا عن المشاريع التي تصب في خدمة المشروع الأميركي-الصهيوني بشكل مباشر أو غير مباشر .
ولتؤكد أن السنة في لبنان الذين حضنوا القضايا العربية من الناصرية إلى الجزائر إلى القضية الفلسطينية،لا يمكن أن يقعوا فريسة التضليل الإعلامي والمخابراتي، الذي حاول تغيير معادلات العدو والصديق والشقيق،فالعدو الذي لا جدال فيه هو إسرائيل ومن يدعمها،ومن يحاصر الفلسطينيين ويقتلهم ويغتصب القدس الشريف،والعدو هو من يقتل المسلمين في أفغانستان والعراق،ويحاصر السودان وايران وسوريا،وأن التمايز مع مذهب أو بلد أو حزب،هو تمايز في الممارسة وطريقة تحقيق الأهداف النبيلة، التي يفرضها الواجب الوطني والديني والقومي والإنساني،وضرورة عدم إيصال الأمور إلى مستوى مصادقة العدو الحقيقي،واستبداله بأعداء وهميين من العرب والمسلمين.
وقد استطاعت الشخصيات السنية في المعارضة الوطنية مع كل الثغرات التنظيمية والتمايز الإيديولوجي فيما بينها من قوى دينية وعلمانية وبيوت سياسية،أن تحفظ الحد الأدنى من التكافل فيما بينها،ولكن كان باستطاعتها تحقيق المزيد من الإيجابيات لصالح المشروع الوطني والقومي لو عملت على سد بعض الثغرات الداخلية بالإضافة إلى ضرورة أن يبادر حلفاؤها في المعارضة الوطنية من تأمين الدعم والإحتضان لها،وإشراكها بشكل أوثق وأكثر فعالية في القرار الوطني وذلك عبر الآتي:
• تشكيل هيئة تنسيق بين القوى السياسية العلمانية والدينية والشخصيات والحركات السلفية والبيوت السياسية،للإتفاق على العناوين الوطنية العامة والأساسية لحفظ الثوابت الوطنية،مع حفظ هامش تحرك سياسي خاص بكل فئة.
• ابتعاد قوى المعارضة السنية عن الأهداف الشخصية الضيقة، التي ترتكز على حفظ المصلحة الذاتية والمناطقية، لكل منها، دون الإعتناء بصالح القوى الأخرى،لأن ذلك يشكل خسارة سياسية وانتخابية بالمفرق بدل الربح بالحملة.
• مسؤولية قوى المعارضة مجتمعة،بوضع إمكانياتها والتنازل عن بعض عناصر القوة لصالح قوى المعارضة السنية،لدعمها وفرض تمثيلها سواء في طاولة الحوار الوطني،أو في الإنتخابات النيابية المقبلة،ومايعقبها على صعيد تشكيل الحكومة،ووضع الإمكانيات الإعلامية،والخدمات التي يمكن لوزراء المعارضة تقديمها من خلال نوافذ قوى المعارضة السنية لتدعيم جسور التواصل بينها وبين جمهورها.
ولعل البعض يمكن أن يفهم هذه الأمور،محاولة لتعميق جذور الطائفية التى نرى وجوب هزيمتها،لكن الواقعية السياسية، بعيدا عن الأحلام والنظريات، تفرض مداواة المرض بوضوح وجرأة، وعندما تستطيع القوى المعارضة داخل الطوائف أن تنتصر داخل طوائفها،فإن ذلك يفتح الطريق أمام إلغاء الطائفية السياسية بشكل حقيقي بعيد عن الخطابات والمجاملات،لصالح المشروع الوطني العام،دون التنازل عن الخصوصيات الثقافية والعقائدية والإجتماعية لكل طائفة في اطار التنوع الإيجابي، ضمن العيش المشترك ليبقى لبنان النموذج(الحضاري)والسياسي الذي يضعف مشروع العنصرية الصهيونية،ويمنع فيروس التفتيت المذهبي والطائفي والقومي الذي بدأ يفتك بالأمة العربية ابتداء والإسلامية لاحقا.
فهل تستطيع قوى المعارضة أن تتنازل عن أنانيتها لصالح المشروع الوطني...؟!.