تشكل الانتخابات النيابية امتحانا أخر للمعارضة الوطنية، وبرنامجها السياسي ومشروعها الوطني وتطابق أقوالها وسلوكها السياسي، بينها وبين حلفائها أولا، وبينها وبين منافسيها الآخرين والمشكلة الأساس هي بين المعارضة كقيادات وبين جمهورها ،الذي لا زال يعطي على كل المستويات دون أن يحاسب على الأخطاء آو على التقصير في الاداء النيابي أو الحكومي تحت وطأة التصدي للمشروع الأميركي الصهيوني.
لكن هذا الوضع لا يعني أن تستمر قيادات المعارضة في تجاوز مشاعر وأراء الناس من نافذة الاطمئنان لاحتضان الناس للمشروع الوطني وتحمل كل التجاوزات،فلعل في لحظة ماء،يظهر البديل الأفضل،أو على الأقل أن تتجه الناس للاعتراض الايجابي عبر الاقتراع السلبي، حيث تمتنع عن التصويت،كحركة إحتجاج على الأداء،وعلى الأشخاص والمرشحين،وعلى طريقة التعامل معها،وصم الأذان عن مطالبها،وهنا لا بد من سماع أصوات الجمهور العام في جلساته وأحاديثه العلنية المنضبطة داخل حدود عدم المس بأمن المقاومة السياسي أو العسكري،من منطلق الوعي والحفاظ على المبادئ والمنجزات، لكن يصبح من الواجب علينا جميعا أن نعرف ما تقوله الناس سرا وعلانية،لتصويب المسار واستدراك الأخطاء وسد الثغرات،ومعالجة الممكن،وتقديم الأفضل بعيدا عن الأشخاص والطموحات والأحلام الشخصية الضيقة، التي لا تنسجم مع قدسية المشروع الوطني وما ضحى له الشهداء ويتساءل الجمهور العام عن:
- ما مصير قرارات الحكومة السابقة التي صمت أذان الناس، وهي تسمع الخطابات من قيادات المعارضة بأنها ستعيد النظر فيها، والتي تجاوزت الأربعة ألاف قرار ومرسوم،فهل تم ابتلاع هذه القرارات وما هو التبرير أو المصلحة...؟
- لماذا انتظرت المعارضة منذ العام2006لتطرح قضية الهبة السعودية والتعويضات بعد اتفاق الدوحة عندما أيقن الجميع أن الانتخابات النيابية على الأبواب؟!.
- لقد اعترفت قيادات المعارضة أن الانتخابات ليست للأشخاص بل للبرنامج السياسي للأحزاب منفردة وللمعارضة مجتمعة.... فهل هذا يعني اعترافا بفشل هؤلاء الأشخاص النواب، وتقصيرهم أو قصورهم،وإذا كان الانتخاب للبرنامج فلماذا يتم الإصرار على نفس الأشخاص لدورات متتالية،طالما أن الشخص ليس مهما بحد ذاته،فلماذا لا يجرب غيرهم ومن نفس تنظيماتهم،بعدما ظهر فشل أكثرهم بل وتقصير معظمهم إن لم تقل أكثر من ذلك.
- لماذا لاترشح الأحزاب من يمتلك الكفاءة وحسن السيرة ونظافة الكف ليكون بمستوى المشروع المقاوم والوطني وطهارته،ليكون لائقا بتمثيله للشهداء وعوائلهم وتضحياتهم،وحتى يمكنه مقاومة المشروع السياسي والتشريعي والإداري الذي تحاول الإدارة الأميركية وحلفائها فرضه على لبنان،فالمقاومة ليست بندقية أو عبوة فقط،فقد تستطيع المراسيم والقرارات أن تمحو وتلغي ما أنجزته المقاومة،وبسطر واحد،كما جرى مع عيد التحرير والمقاومة،وكما جرى مع تعويضات حرب تموز،وكما جرى مع تعويضات الأسرى والمحررين، وكما جرى مع المساعدات الإنسانية لمهجرين عدوان تموز وكما يجري بالنسبة لقوانين الاستثمار للعقارات ومناطق الجنوب وعكار والبقاع،وكما يجري للضرائب على البنزين.
كل هذه الأساسيات، ضرورة لتأمين عيش كريم لجمهور المقاومة،لا يستطيع التصدي لها(النائب الغائب)(والنائب الأمي)والنائب المقصر عن متابعة المشاريع ،وبالتالي لا يكفي أن نصون المقاومة ونحصن الحدود،والأخرون يعملون على تفريغ الجبهة الداخلية من حصانتها،ويصرون على محاصرتها في الإستشفاء والطبابة( كما حال موظفي تعاونية موظفي الدولة من الأساتذة والموظفين...).
- الظاهر أن المعارضة تغرق حتى الأن بالشعارات السياسية،ولم تدخل في عمق المشكلة الاجتماعية وحتى الأخلاقية والسلوكية لجمهورها، الذي بدأت بعض الظواهر السلوكية الغير طبيعية تتسلل إليه،في مفاهيمه،وجامعاته،وشارعه،دون أن ينتبه أحد لهذه المخاطر أحد،وإن أنتبه لها البعض فهم لا يبادرون إلى المصالحة،أو يمنعون غيرهم من معالجتها بحجة الأمن السياسي للمعارضة والأسوأ من ذلك أن حالة المعارضة في التحضير للانتخابات النيابية، كحال طائرة التي تحمل العشرات من الركاب متجهة إلى مدينة واحدة(الانتخابات النيابية) ولكل راكب مشروعه الخاص وتمويله الخاص وإقامته وتجواله الخاص،لا يجمعه مع الاأخرين سوى مقعد في(طائرة المعارضة)بدون أي تكافل أو تنسيق أو تضحيات،بحيث تحسبهم موحدين لكن قلوبهم وأهدافهم ومشاريعهم شتى.
وحتى اللحظة وقبل مئة يوم من يوم الانتخاب، لا زالت المعارضة بعيدة عن حسم أمرها وتوزع مقاعدها على مكوناتها السياسية،وكل يتمسك بمقاعده،التي يفترض أنها حق مكتسب ، وبالتالي ستخسر المعارضة الوحدة والثقة المطلوبة،وكذلك بعض حلفائها الإستراتيجيين من أحزاب يسارية أو دينية.
والأهم أنها ستخسر أيضا الأنصار المحايدين،الذين تعبوا من التجارب والمراهنات الخاسرة على كل مشاريع النهوض والإصلاح الوطني،حتى صار مثلهم المحبب ( اسمع تفرح...... جرب تحزن)من مشروع الحركة الوطنية،إلى المقاومة الفلسطينية إلى الحركة القومية العربية...إلى المعارضة الوطنية.
الظاهر أن الجميع يعرف كيف يقاتل ويربح ولا يعرف كيف يحفظ الأرباح والإنتصار...
وهنا فإن مطالب الجمهور تتلخص الآن ،بأن تعلن المعارضة عن هدفها الحقيقي من خوض الانتخابات النيابية.
هل هي جزء من المشروع الوطني المقاوم،بوجهه المدني ..؟!
هل هي شراكة ووحدة مصير بين فرقاء المعارضة....؟!.
هل هي تنافس على تقاسم ( كعكة السلطة)....؟!.
هل هي طموحات شخصية لنواب وأحزاب وحركات أو طوائف ومذاهب...؟!
فلتحدد المعارضة عنوان معركتها الانتخابية بصدق.... دون مواربة حتى يستطيع الناخب تحديد موقفه المناسب والمسؤول...