إن منظومة القيم العقائدية والأخلاقية والتي يرتكز عليها الفرد في حياته تحدد مساره السلوكي وتشخص أهدافه المقصودة,تحدد المسار السياسي والنظام الإجتماعي للأمة,وحضارتهاوالخلاف الأولي الذين نشأ حول مفهوم الحياة وديمومتها,فقد قسم البشر إلى قسمين واحد يقول بالحياة الدنيوية الأخرويةالخالدة,وقسم آخر إعتقد بالحياة الواحدة المادية وهي الدنيا.وبناءٌ على هذين المعتقدين تحدد نظام العلاقات والقيم الإنسانية والمنهج السياسي والأخلاقي والإجتماعي للأفراد والدول,وتم بناء نظام العقوبات والحاكمية العامة لإدارة المجتمع العالمي كوحدة كاملة او جزئيلت كيانية سميت الدول والممالك والإمارات,وتم اعادة مفهوم الوكالة الإلهية العامة لبعض البشر كأفراد او طواف دينية استكمالا لمقولة شعب الله المختار,لتتجدد مع المحافظين الجدد بزعتمة الرئيس الأميركي بوش الذي يردد ان مايقوم به نتيجة رؤيا الهية لإنقاذ العالم من الإرهاب عبر تصفية محور الشر وتأسيس مفهوم ثقافة الحياة المرتكزة على الأسس التالية:التسليم العالمي باحادية الحاكمية الأميركية كسلطة مطلقة.اميركا هي التي تحدد نظام العقاب والثواب العالمي. ان تعريف المصطلحات الديمقراطية والإرهاب والدفاع عن النفس وحقوق الإنسان حق حصري للإدارة الأميركية.ولذا فإن مفهوم ثقافة الحياة جعل الإنتصار الذاتي والربح الذاتي وإستلام مقاليد الحكم هدفاٌ أساسياٌ وفق منهجية الغاية تبرر الوسيلة مهما كانت الوسيلة قاسية وظالمةوارتكز بعضها على أساس مفهوم أقتل الآخر لكي تحيا.. وأطرد المالك لكي تستوطن، وأهدم منزل عدوك... لكي تسكن وصادر حرية الضعفاء...ليكونوا عبيداٌ لك،. وارتكزت ثقافة الحياة على مصطلحات(القتل-الإحتلال-الاستعمار العولمة –الربح قبل الإنسان)فكانت القنبلة الأميركية على اليابان لربح الحرب،وكانت المجازر الصهيونية في فلسطين والعالم العربي،وكان الإستعمار للأرض والبشر،وكان الإحتلال بالنار في العصر الحديث،وكانت العولمة لتصادر كل الثروات وتستبيح سيادة الدول في حماية منتجاتها ومصالح فقرائها من المزارعين أو مصالح منتجيها،وكان الربح أساس التجارة والدين والأخلاق فكيف تجني ربحاٌ حتى لو كان على حساب الأخلاق والقيم والصحة وغيرها فالأساس هو الربح .الربح..الربح .حتى ولوأدى لقتل الإنسان.والبعض تخلى عن قيمه من عزه وكرامة ليعيش فقط مادياٌ عبر الألقاب والمظاهر والزعامة ليشكل(ماريونيت)سياسي أو إجتماعي تحركه الأيدي الأجنبية الخفية فتظهر صورته، ويجهر صوته بإفكار الأخرين وتوقع يديه ما يطلبه الأجنبي ويكفيه من كل ذلك أنه( يعيش)...!ويصبح الوطن بالنسبة إليه أين يقيم مرتاحاٌ،
وتصبح الكرامة عنده،مكافأت من يعمل لديه،أو إبتسامة أو مصافحة أو إستقبال يحظى به من رئيس دوله أو ملك،فيصبح كالدجاجة التي تطعم لتبيض,أو الخروف الذي يرعى ليذبح,أو الببغاء التي تطعم,لتردد ما يقوله لها صاحب الدار.وثقافة الحياة تتجه لتجعل جماهير(ستار أكاديمي)أو جمهور أي مطرب أو مطربة عربية أكبر من جمهور أي حزب أو زعيم عربيـة لتصبح ثقافة الحياة حفاراٌ يحفر كل جبال العزه والكرامه والعلم والثقافة وكل ما تبنى عليه حضارة أي أمة لتصبح الأمة إسطوانة شهرية تموت عند ولادة أي أغنية جديدة ويصبح المتنبي والمعري صغيرين أمام(الفيديو كليب)أو أغنية(قرقورك يا بديعة).مقابل ثقافة الحياة المجردة تشمخ ثقافة الكرامة لتعلن أن من يطلب الحياة مادة ورفاهية ورغد عيش,يعلن موته الأبدي ويعيش في دائرة حركته الضيقة،ولا يمكن أن يشع فكره أو نضاله أو جهاده وبعض الأمثلة التاريخية والحديثة تعلن أن الإمام الحسين ترك ما يسعى إليه الأخرون من قصور وجواري وتيجان ليخضب رأسه بالدم المقاوم،فمات من سعى لحياة اللهو والخمور يزيد، وعاش حتى طفل الحسين الرضيع.وكذلك الثائر غيفارا ترك المنصب الوزاري نحو النضال والكرامة، وترك بصماته وصورته على كل الباحثين عن حرية الحياة وكرامتها.أن تعيش ليطعمك الآخرون من مساعدات الخير الملغومة بالعبودية والإنقياد،أن تعيش ليقرر الآخرون من أنت وما هي صفتك..إرهابياٌ أو شريراٌ أو معتدلاٌ،فلا حياة لأن من يمنحك هذه الحياة المادية يستطيع أن يأخذها منك، فيقطع المساعدات عنك لتجوع،ويقتلك كما فعل بصدام لأن موته يخدم المشروع الأميركي،ويدفن معه كل أسرار خدماته ضد إيران والكويت,أو يتخلى عنك كما الشاه حفظاٌ لمصالحه.بينما ثقافة حياة الكرامة والعزة والشرف تأخذها أنت بيدك من براثن عدوك،وتحفظها أمانة من الله بين يديك،وتحرسها بدمك ورصاصك وجوعك،تحرسها بزرعك الذي تنبته أرضك ويسقيه ماء السماء،.في لبنان كما في هذا العالم تنافس بين ثقافتين, ثقافة التبعية والفراغ العقائدي المجمل بإسم ثقافة الحياة،وبين ثقافة الكرامة المسماة زوراٌ ثقافة الموت،بعدما نجح الإستعمار الثقافي بصناعة مصطلحات,وتحريفها وربطها بمفهومه فالديمقراطية تصبح شرعية إذا كانت تؤمن مصالحه،وتتحول إرهابية أو شمولية إذا كانت تقاومه،وحقوق الإنسان ترتبط بالجهة الحاكمة فإن كانت حليفة أميركا فأنها تساند العمل ضد الإرهاب(المعارضة)وإذا كان النظام خصماٌ وعدواٌ تحول الإرهابي إلى مستضعف ومظلوم,لا بد من حراسته بقانون حقوق الإنسان،والقتل يصبح دفاعاٌ عن النفس عندما يكون القاتل إسرائيلياٌ أو أميركياٌ وقذف الحجارة أو التلويح بالإعلام إرهاب وخرق للقرارات الدولية .مصطلح الحياة والكرامة لا يتغير وفق موازين القوة والسيطرة بل هو الذي يحدد من خلال جمهوره صفات الظالم والغاصب ويحدد إنتمائه إما للمحور الممتد من اللقمة إلى اللذة أو للمحور الذي يمتد من النصر إلى الشهادة.لأنصار التبعية المسماة حياة,عمر لا يتجاوز الأيام والسنين,يزول في اللحظة التي يخسرون فيها مناصبهم,أو يتخلى عنهم أرباب عملهم,بينما عمر أنصار الكرامة يمتد بعد الموت ليصبح كنبع الماء يروي ظمأ المظلوميين والمستضعفين فكراٌ ونهجاٌ وتجربة.والمشكلة أن من يريد الحياة يكون جباناٌ في الدفاع عنها لأنه يخاف الموت وبالتالي خسارة ما يسعى إليه وهذا ماأثبتته حرب تموز الأخيرة.حيث أن الجيش الإسرائيلي الذي يسعى للحفاظ على حياة جنوده وهم أيضاٌ يحاولون النجاة,فقد انهزموا في معركة حفظ(حياة الكيان)لأنهم أرادوا الحياة مجردة,فيما المقاومون شعباٌ ومجاهدين,اللذين أرادوا الكرامة فقد بذلوا حياتهم الدنيوية في سبيل حياة خالدة,فربحوا الإثنتين حتى لو كانت التضحيات عزيزة لكنهم لو اتجهوا نحو الحياة المجردة لكانوا دفعوا الأثمان الباهظة,دون أن يأخذوا لا أماناٌ ولا كرامة وتجربة معتقل أنصار إبان الإجتياح الإسرائيلي الذي تجاوز عدد معتقليه العشرة آلاف أسير دليل قاطع،على أن من فر من المواجهة في اللحظة الأولى وقع في فخ الأسري دون عناء لعدوه.وفي لبنان ستكون الحياة الكريمة لمن أراد الكرامة والعزة بينما سيكون الهوان والبيع والمقايضة من نصيب من أرادوا الحياة وفق المصطلح الأميركي للديمقراطية الفارغة وسيحملون وزر لعنة التاريخ إلى الأبد.