في الشمال إرهاب لم يسمع به السياسيون، ولم تصوره الفضائيات ولم يعطه الإعلام حقه، ذاك هو الإرهاب البارد ،الذي يفتك بالناس دون رصاص أو قذائف، يتسلل إليهم عبر الجوع والفقر وأولى حكايا هذا الإرهاب تتمثل بالحكاية الأولى:
• بعض العائلات في الشمال التي لا يتجاوز عدد أفرادها الستة، يعيشون على وجبة واحدة في اليوم ،وإذا ما كبرت العائلة إلى عشرة وما فوق، يتم تقسيم العائلة إلى مجموعتين تتناول كل مجموعة وبشكل دوري وجبتها الغذائية الواحدة، ويمكن أن تكون الوجبة ، رغيف خبز وماء الزيتون الذي يترسب في الإناء.
• الحكايــة الثانيــة: روى أحد المحامين في طرابلس أنه كان يرى امرأة تجلس لأيام على رصيف المحكمة ،فظن أنها تتسول ،فأعطاها صدقة فرفضت، معلنة أنها تريد الطلاق وليس التسول ، ولا تستطيع توكيل محام ،فأدخلها إلى القاضي الشرعي، وتم استدعاء الزوج وبعد الاتفاق على الطلاق، سئلت المرأة عن تحديد النفقة فأجابت، أنها تريد عشرة آلاف ليرة في الشهر، واستغرب القاضي وسألها مجددا" فأصرت على ذلك راضية وتبين أن بعض العائلات تعيش وكأن الـ ألف ليرة هي مئة دولار وتم الاستجابة لطلبها.
• الحكايــة الثالثــة: روى مدير إحدى الجمعيات الخيرية أنه تم بناء خزان لمياه الشفة في إحدى قرى عكار ،وتم تمديد المياه إلى البيوت، وبعد مضي شهرين أبلغه حارس الخزان أن الأهالي لا زالوا يملأون الغالونات من الخزان مباشرة، ولا يستعملون الحنفيات الواصلة إلى بيوتهم، لأنهم لم يروا مثلها في حياتهم، وتم إبلاغ الأهالي بأن باستطاعتهم التزود بالمياه من داخل بيوتهم.
• الحكايــة الرابعــة: في عكار ينحصر مورد الدخل الأساسي من رواتب العسكريين،الحاليين والمتقاعدين، وينحصر الاستشفاء والتأمينات الصحية، مما تؤمنه المؤسسة العسكرية،ولكن بحكم القانون فعلى العسكريين النزول إلى المستشفى العسكري في بيروت وبالتالي فإن فاتورة الدواء لا تغطي أجرة الطريق مع صعوبة بعض الحالات، بالإضافة إلى أن الحصار الذي تعيشه المؤسسة العسكرية،حّول المستشفى العسكري إلى مستشفى من العهود السابقة ،لا تلبي حاجات ومتطلبات وأعداد المرضى العسكريين،وبالتالي فإن من يقتل الجندي اللبناني من عكار يقتل عائلة بأكملها.
• الحكايــة الخامســة: تبين أن أهالي عكار والهرمل وأكثر البقاع، يحصلون على احتياجاتهم الغذائية والصحية وحتى التعليمية من سوريا، أكثر مما يحصلون عليها من لبنان، وبالتالي فإن منع التهريب ليس عقابا" لسوريا بل عقابا" لهؤلاء اللبنانيين،وهذا ما دفع الحكومة اللبنانية السابقة إلى الطلب من الأجهزة الأمنية عدم قمع التهريب للمواد الغذائية، ويقول القاطنون على الحدود اللبنانية والسورية أن من يريد منع التهريب فليؤمن لنا البديل، فلا يعقل أن يحاصر الناس ويجوعوا بقرارات من أناس يسكنون في بيروت لا يعرفون الجوع ولا يعرفهم،ولا يعرفون البرد ولا يلسعهم،ولا يعوزهم أي شيئ من كماليات الحياة طالما أن السفارات تتكفل بهم.
هذه بعض من حكايا(الإرهاب)الذي يعيشه الناس في الشمال، ويسألون الدول والأحزاب والتيارات والزعامات ألا يستطيع من يملك المال لشراء الأسلحة، ليقتل الفقراء بعضهم بعضا"... أن يشتري الفحم والمازوت للأطفال والعجز..؟!.
من ينقذ الاقتصاد الأميركي والغرب من أزمته بمليارات الدولارات... ألا يمكنه إنقاذ الجائعين والمعوزين في شمال لبنان و قطاع غزة و الصومال..؟.
والسؤال إلى أحزاب المعارضة...؟
أليس من واجبكم الإنساني والديني والوطني، التوجه شمالا" ليس لشراء الأصوات، بل من أجل الانتخابات النيابية بل لمساعدة أخوتكم في الدين والمواطنية، لتحريرهم من ( مغناطيسية) الأموال الانتخابية التي لا ترى الشمس إلا في مواسم الانتخابات كل أربع سنوات .
فكيف نحصن وطنية الشمالي، ونطالبه بتحديد خياره السياسي،في غمرة صراخ أطفاله الجوعى في غرفة بلا دفء ولا كهرباء ولا ماء،..بينما همه الأوحد، كيف يبقى أطفاله على قيد الحياة...وطبعا" في لحظة ما ....ستتسلل ( الحصة التموينية) ( وشراء المواسم) كمقدمة لشراء الأصوات،تحت شعار ( طعمي الفم تستحي العين).
لمن تترك المعارضة،سكان أطراف لبنان...،وهل المطالبة بالانماء المتوازن لا تعني ( الاعتناء المتوازن) بكل المواطنين سياسيا" وإعلاميا" وإجتماعيا"....
ولم يترك الفقراء, ضحايا العوز والجوع، ليتحولوا رهائن أمام ( المستثمرين السياسيين).
وللأخوة في سوريا،مع أنهم لا يقصرون في تقديم المساعدة فلتفتح ( معابر شرعية)تسمح لهؤلاء المواطنين أن يعيشوا ونحن نعرف ما تعاني سوريا، من ضيوفها العراقيين والفلسطينيين،وأن عبئا جديدا" سيضاف عليها،لكن من أراد المقاومة والممانعة عليه أن يفتح معايير الأخوة،المتناقضة مع (معبر رفح)الذي لم يستطع حتى حجاج غزة اختراقه،مع تمكن الغاز المصري المدعوم من الوصول إلى الصهاينة....
( الإرهاب ) أن تسلب الناس لقمتهم،لتشتري كرامتهم، وتجنيد شبابهم من خلال تضليل فكري،يعمل على تحويل العدو المحتل صديقا، والشقيق عدوا"،وليتحولوا إلى طرائد سياسية وأمنية تدفع الأثمان نيابة عن غيرها،ومن أجل تنفيذ محطات ليست شريكة فيهاا بل أدوات تنفيذ...
أنقذوا الشمال من إرهاب الفقر... لتقضوا على الإرهاب العسكري المستورد...