إن ما يثير الدهشة والإستغراب الأهمية المصطنعة لمعركة رئاسة الجمهورية في لبنان,بحيث أصبحت الشغل الشاغل للإدارة الأميركية,والرأي العام الدولي والعربي,بحيث يتم ربط هذا الإستحقاق بالسلام والأمن الدوليين,تمهيدا لسحبه إلى ساحة مجلس الأمن لإستكمال إستباحة المؤسسات الدستورية,ورأي القوى السياسية والشعبية في لبنان,كما حصل مع إقرار المحكمة الدولية بتجاوز دور وصلاحيات المجلس النيابي,ورئيس الجمهورية.ومما يلفت الإنتباه إصرار قادة الدول العربية على وجوب حماية الديمقراطية في لبنان وتداول السلطة,في الوقت الذي نرى هذه الدول لا يتم فيها تغيير رئيس الجمهورية أو الملك إلا بالوفاة أو الإغتيال.وهذا ما يزيد غرابة وسقوط منطق الدعاة إلى حماية الديمقراطية ,التي طعنوها في فلسطين بعدما جاءت الإنتخابات لصالح حماس,وانتهت بالإشتباكات بينها وبين فتح وتقسيم أراضي السلطة الفلسطينية بين الضفة والقطاع,وكانت هذه الديمقراطية قد طعنت أيضا في الجزائر,بإلغاء نتائج الإنتخابات بعد فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية وانتهت بالأحداث الدامية التي أنهكت الجزائر بأعمال العنف حتى الآن.وكأن الإدارة الأميركية تشرع لمعادلة ترتكز على الإعتراف بديمقراطية كل إنتخابات توصل حلفاءها للسلطة,ولو بالتزوير أو الخداع السياسي,بينما تسلب صفة الديمقراطية والشرعية,في حال فوز خصومها وخصوصا الإسلاميين منهم. وتصر الإدارة الأميركية رغما عن بعض حلفاءها في لبنان على خرق الدستور والتدخل المباشر لإنتخاب رئيس الجمهورية,مواليا لها ليتكامل مع رئيس الحكومة الموالي أيضا, للإمساك بقبضة حديدية دستورية الشكل ,مخالفة دستوريا في المضمون,لتحقيق نصر وهمي وخادع,لهذه الإدارة بعد إخفاقاتها المتكررة في أفغانستان والعراق وإيران وفلسطين,وفشلها المدوي في صناعة الشرق الأوسط الجديد الذي أسقطته المقاومة اللبنانية في حرب تموز2006,أنشأتها في ذلك،ما قامت به إسرائيل بتحليق طائراتها فوق سوريا لتحقيق نصر وهمي يحتاجه أولمرت لإسترداد قوة الردع التي فقدتها إسرائيل في لبنان حيث تعتقد هذه الإدارة الأميركية أن الإمساك برئاسة الجمهورية والحكومة في لبنان,سيسهل عليها الإجتياح السياسي والأمني للساحة اللبنانية,بعدما عجزت الآلة العسكرية الإسرائيلية عن ذلك منذ العام 1978 والإجتياحات والحروب المتكررة,لتأمين قاعدة أمام المشروع الأميركي على ساحل المتوسط,تستطيع الإنقضاض منها على الساحة السورية إعتمادا على أن الوقائع التاريخية ,تؤكد أن زعزعة النظام في سوريا,كان يتم تحضيره عادة في بيروت.
ولذا فإن النظرة الأميركية لرئيس الجمهورية,تختلف تماما عن نظرة اللبنانيين لدور هذا الموقع في النظام السياسي اللبناني,فأميركا ترى فيه السلاح الذي تستطيع منه قتل المقاومة في لبنان, كذراع عسكري لمحور الممانعة الفلسطيني السوري الإيراني مما يريح إسرائيل,ويطلق سراحها،للتفرغ لمساعدة الأميركيين في المنطقة, بينما يرى اللبنانيون,في إنتخاب رئيس الجمهورية إستحقاقا داخليا,لتماسك الهرم السياسي اللبناني,من خلال مشاركة القوى السياسية والطوائف,تحقيقا للميثاق الوطني في لبنان,وبداية لمسيرة السلم الأهلي ,والإستقرار السياسي والإقتصادي وعودة الحياة الطبيعية, بينما يرى الأميركيون أن فوزهم بتعيين رئيس الجمهورية سيشكل بداية المرحلة الثانية في الحرب على المقاومة,ومحور الممانعة.فهل يمثل هذا الإستحقاق بداية حرب جديدة بديلة عن حرب تموز2006... أم بداية السلام اللبناني الداخلي