إن الدعوة للحوار،مهما كانت فهي دعوة إيجابية بحد ذاتها،لنبذ العنف ورفع الظلم (وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)لكن للحوار شروطه وظروفه وأهدافه الموضوعية والواعية،وأن يكون مرتكزا" على إرادة وقرار ذاتي،ودون أن يفرض من أجل توفير فرص العيش للخصم،أو إعطاء صك براءة لأفعاله الجرمية من احتلال وقتل وحصار وتجاوز لكل قوانين ومعاهدات حقوق الإنسان.
والخديعة الكبرى التي أوقعوا فيها الرأي العام،هو في عنوان وهدف المؤتمر(حوار الأديان)فيما لم يشارك في هذا المؤتمر عالم أو إمام إلا بصفة(عضو وفد)، وكأن المتحاورين من الرؤساء والملوك ورؤساء الحكومات ،الذين في أكثرهم علمانيون في دولهم أو غير ملتزمين دينيا" فكيف يحاور صاحب اللقب السياسي نيابة عن البابا وأئمة المذاهب والمفكرين،إلا إذا أصبحت السلطة تمثل الدين، وحل الحاكم محل الإمام أو الكنيسة،وصار فرمان السلطة فتوى دينية،بحيث أصبح المواطن يتبع السلطة في دينه ودنياه،وتحول إلى سجين مقيد بالقانون من جهة و بالفتوى الصادرة عن وزارة الأوقاف،وصار للدين وزير ومحافظ ودائرة للشرطة الدينية.
والأغرب من ذلك صارت(الشيخة ليفني!!)شريكة في تفسير القرآن وتحديد دور المسجد والحوزات الدينية،وكأن الأحكام الفقهية ستصدر يوما من الكنيست أو مجلس الشيوخ الأميركي،وإمام المسجد الأقصى شيمون بيريز،وكأنه لا يكفي مصادرة النفط والثروات،واحتلال الأوطان لنصل إلى مستوى مصادرة واحتلال العقول،وإن اعترفنا بما يقوله هؤلاء المجرمون،لاعترفنا عندها بأن إسلامنا الحقيقي الذي يرعبهم و يقوض احتلالهم ،هو إسلام إرهابي كما يصفون،ويجب استبداله(بإسلام حديث)هدفه الأساس كيف يجعل الشعوب ومقدراتها في خدمة شعب الله المختار وحلفائه،دون اعتراض أو مقاومة.
والسؤال الأهم؟!.
هل أن الحوار مع الأعداء أكثر فائدة وضرورة من الحوار مع الأشقاء؟!.
وهل أن الحوار مع الأعداء أكثر حصانة وقوة بعد توحيد رأي الأمة وحل الخلافات أم في حالة التشتت والخصومة،؟!.
وهل نحاور القاتل في أفغانستان والعراق وفلسطين ممسكا" بالسكين يذبح شعوبنا،.......أم نقاومه وندافع عن أهلنا وهويتنا،ونحقق التوازن في القوة ليصبح الحوار متكافئا" ....؟!.
كيف ستكون نتائج الحوار بين القوي والضعيف ولمصلحة من...؟!.
وإذا كانت الأنظمة لا تستطيع المواجهة خوفا" على عروشها ووراثة أبنائها للسلطة....فلتسمح للشعوب أن تأخذ خياراتها دون تقييدها بالفتاوى والقوانين والسجون،فالأنظمة تقوى بشعوبها.
أما إذا بقيت على عدائها مع شعوبها تستجدي الدعم الخارجي،ففي لحظة لا ينفع فيها الندم سيضعف الخارج ويبتلى بمشاكله كما هو حاصل الآن في أميركا وأزمتها المالية،وفي إسرائيل وأزمتها الوجودية ،ليترك الحلفاء إلى مصيرهم على قارعة الطريق في أوطانهم يتلمسون النجاة ،و يعرضون أنفسهم للبيع أو الاستثمار السياسي بأبخس الأثمان،ويمكن لأعداء الأمس والذين يشكلون الهدف الرئيسي للحملة الأميركية على الإرهاب(طالبان)أن يدعوا للحوار والتفاوض، بعدما عجزت أميركا عن هزيمتهم أو لأنها لا تريد ذلك حتى لا تفقد مبرر وجودها العسكري هناك، وفي كلا الحالتين هناك خسارة للشعوب العربية والإسلامية.
والنداء للذين شاركوا في مؤتمر حوار الأديان في أميركا ممزوجا" بالسؤال؟!.
أيهما أقرب، إليكم أخوتكم في القومية من العرب و أخوتكم في الدين من بقية المذاهب ... أم إسرائيل الصهيونية المحتلة للقدس .
إذا كنتم تطيعون الله،فالله سبحانه يدعوكم لأن تكونوا مع أخوتكم وأشقائكم،(محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم)بينما الوقائع تقول أن بعض الأنظمة الإسلامية رحيمة مع المحتل
الأميركي والصهيوني ، شديدة على أشقائها العرب والمسلمين تشارك في حصار غزة و تمد الصهاينة بالغاز وذلك مناقض للنداء الإلهي،وعصيان له،وطاعة للولي الأميركي الذي يحاول أن يزرع الفتنة بين المسلمين تارة بين المذاهب وتارة بين الطوائف،وتارة بين القوميات،وآخرها بين من يدعون النخبوية الفكرية وبين العامة التي لا زالت على دينها بدون تلوث فكري أو مالي.
الخطوة الأولى للحوار تبدأ بين الحاكم وشعبه،وبعدها بين الحاكم وأشقائه وجيرانه،وبعدها بين الإسلام والديانات الأخرى لمحاصرة الظلم والاحتلال ،وبعدها يدعى للسلام على أساس إرجاع الحقوق،والتراجع عن ظلمه وجرائمه،فإن استجاب كان الحوار مستندا" إلى قوة الردع للظالم،وإن لم يستجب يجبر بالقوة أن بعيد ما اغتصب من أرض وحق،ويحاصر لإنقاذ العالم من تسلطه وجرائمه.
ومن لا يقرأ في القرآن إلا آيات السلم والحوار ليبرر ضعفه واستسلامه ولا يؤمن بكل الكتاب الذي يدعو إلى قتال الظلم والكفر لا يحمل صفة المسلم الحقيقي.