بعد مبادرة الملك السعودي بدفن الخلافات العربية في حفرة قمة الكويت الاقتصادية، وبعد فتح النوافذ السياسية والأمنية المتبادلة بين السعودية وسوريا، لتطبيق شعار المصالحات واقعيا في ساحات الصراع والتنافس بين محوري الاعتدال والممانعة، لم تستطع اللقاءات السعودية-السورية فتح بعض الأبواب الموصدة خاصة المصرية منها، حيث أن النظام المصري يعيش حالة قلق وارتباك متعدد الجبهات داخليا وخارجيا، وهو بحاجة إلى جرعات سياسية خارجية لتسخيرها والاستفادة منها داخليا, لحسم موضوع الخلافة الرئاسية للرئيس مبارك.
المشكلة أن أكثر الدول العربية لا تريد الاعتراف بهامشية دورها الإقليمي والدولي، وبعضها تقلص دوره لحماية نظامه أو خلافته، وبعضها يتحرك للدفاع عن نفسه أمام المحاكم الدولية، فبعد تسوية (لوكربي) بين الأميركيين وليبيا، تأتي قضية دارفور والهجوم الأميركي ضد الرئيس السوداني عمر البشير.
ونتيجة عدم استقلالية معظم القرار العربي الرسمي وارتباطه بجهات خارجية, أهمها المصالح الأميركية، فإن ملف المصالحات لن يكون قرارا عربيا - عربيا بشكل كامل، وإنما يأتي في إطار التهدئة الأميركية للملفات الدولية الساخنة, واختبار علاقات جديدة مع محور الممانعة (السوري-الإيراني) فإذا أثمرت هذه العلاقات تبريدا للساحات الساخنة في أفغانستان والعراق وفلسطين ولبنان وإيران وسوريا, فلا مانع لدى الأميركيين من استبدال علاقاتهم وتغيير تحالفاتهم وأهدافهم.. إلى دائرة التعامل مع الأقوياء والاستغناء عن الضعفاء, بعدما ثبت عجز هؤلاء عن تنفيذ التعليمات الأميركية و حماية مصالحها.
ولذا فإن المسموح به أميركيا حتى الآن لدول الاعتدال, الوصول إلى مستوى الابتسامة السياسية وليس الفعل السياسي، والاكتفاء بالإعلان عن حسن النوايا والمجاملات والمصافحات والجلسات المخصصة لأخذ صور المصالحات السطحية دون البحث بعمق لحل الخلافات، وهذا ما تنبه له السوريون عندما أعلنوا أنهم مع (إدارة الخلافات) وليس دفنها، فمن يدفن الخلافات الآن يستطيع نبشها في أي لحظة مناسبة لمصالحه، بينما الذي يحاول إدارة الخلاف لمنع الخصومة أو الصدام السياسي أو الأمني, يكون أكثر واقعية وجدية لتبريد الأجواء العربية، التي تفتح النوافذ لقضم هذه الأمة أرضا وأنظمةً ومصالحَ وثرواتٍ، فيما يتلهى زعماؤها بقشور الخلافات الشخصية.. والغرق في أحضان الأفاعي الغربية والإسرائيلية.
ولكن ما يلفت الانتباه.. هو احتفاظ الإدارة الأميركية بورقة سياسية احتياطية تتمثل بموقف النظام المصري، وكأن الانفتاح السعودي يمثل فريق الاستطلاع ويأخذ المصريون دور (لواء الاحتياط السياسي) للانقضاض على المصالحة العربية وما أنتجته, في حال رأت أميركا أن حوارها مع (المتطرفين) "سوريا وإيران" لم يحقق الآمال المنشودة، ولذا فإن مصر تحتفظ بشروطها الصعبة للدخول في سوق المصالحات العربية بتوفير الأمور التالية:
•1- الحصول على تفويض عربي للمصريين لإيجاد حلول للملف الفلسطيني دون شراكة سورية أو قطرية، وحصر الدور السوري بالضغط على الفصائل الفلسطينية المقيمة في دمشق للموافقة على ما يفرضه المصريون.
•2- تأمين تفويض عربي أيضا للنظام المصري لحل المأزق السوداني، ومن أراد من العرب التدخل فيجب وضع إمكانياته بتصرف المصريين دون التحرك المنفرد.
•3- مبايعة المصريين كزعماء ميدانيين للموقف العربي، وحصر الدور السعودي بالتمويل، والدور السوري لقمع(المغامرين).
•4- وما يتعلق بتلبية الطلب المصري.. بضرورة التزام قطر حدودها السياسية، وعدم تجاوز ما يفترضه المصريون -الدور الضعيف- إلى مستوى أن تكون عاصمة لحل الأزمات العربية كما جرى في اتفاق الدوحة لحل الأزمة اللبنانية واتفاق الدوحة للحل بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة في دارفور، ومحاولة تأسيس حل فلسطيني- فلسطيني, أو قيام قطر إلى جانب السوريين بالوساطة بين محور العرب المتحالفين مع أميركا والسياسة الإيرانية.
إن الشروط المصرية هي شروط صعبة التحقيق لسببين:
أولهما: ضعف مقومات الضغط المصري.
وثانيهما: تجاوز بعض الدول لمصاعبها الداخلية والخارجية، ودخولها منتدى الدول المؤثرة خصوصا سوريا، واستغلال قطر لدورها كقناة اتصال مقبولة لدى الأطراف المتخاصمين إقليميا ودوليا.. لنقل الرسائل المتبادلة، وتوفير حوار غير مباشر ودون أضرار لأحد.
وارتكازاً على هذه الوقائع.. فإننا على أبواب فترة مصالحات قشرية وفلكلورية غير مثمرة لتقطيع الوقت المطلوب للإدارة الأميركية الجديدة لدراسة الواقع الخارجي، وإمكانية دعم الملفات الخاسرة، والبحث عن حلول لأزمتها الاقتصادية، وإنقاذ لسياساتها المتعثرة في الخارج، للتمكن من السيطرة على الإخفاقات والتقاط الأنفاس والتوازن في القرار السياسي والعسكري الأميركي.